موقع الكاتب صلاح معاطي
مرحبا أيها الزائر العزيز أنت الأن في نطاق موقع الروائي صلاح معاطي
موقع الكاتب صلاح معاطي
مرحبا أيها الزائر العزيز أنت الأن في نطاق موقع الروائي صلاح معاطي
موقع الكاتب صلاح معاطي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع الكاتب صلاح معاطي

موقع يحتوي كتب واعمال الروائي صلاح معاطي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول


















دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» باربيكيا
وصية صاحب القنديل Emptyالأربعاء نوفمبر 18, 2020 1:10 am من طرف صلاح معاطي

» عائلة السيد رقم 1 الطبعة الثانية
وصية صاحب القنديل Emptyالإثنين ديسمبر 30, 2019 9:53 am من طرف صلاح معاطي

» إبداعات قصصية
وصية صاحب القنديل Emptyالإثنين ديسمبر 30, 2019 9:32 am من طرف صلاح معاطي

» من باب الفتوح لباب النصر حلقة الحاكم بأمر الله
وصية صاحب القنديل Emptyالأربعاء مايو 23, 2018 11:45 am من طرف صلاح معاطي

» صراع المساحة في رواية بونجا للكاتب المصري صلاح معاطي دراسة للكاتب التونسي الهادي ثابت
وصية صاحب القنديل Emptyالثلاثاء مارس 15, 2016 5:27 pm من طرف صلاح معاطي

» عالم الخيال العلمي
وصية صاحب القنديل Emptyالثلاثاء أغسطس 25, 2015 3:06 pm من طرف صلاح معاطي

» أم صالحة
وصية صاحب القنديل Emptyالجمعة أبريل 10, 2015 10:09 am من طرف صلاح معاطي

» مولد وصاحبه حاضر
وصية صاحب القنديل Emptyالإثنين أبريل 06, 2015 2:58 pm من طرف صلاح معاطي

» مناقشة مسرحية الإنسان الكلورفيللي للكاتب محمد الجمل
وصية صاحب القنديل Emptyالأحد أبريل 05, 2015 4:55 pm من طرف صلاح معاطي

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
منتدى
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 2 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 2 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 68 بتاريخ الخميس فبراير 01, 2024 12:03 am

 

 وصية صاحب القنديل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
صلاح معاطي
Admin



عدد المساهمات : 106
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 21/08/2009
العمر : 65
الموقع : http://salahmaaty.maktoobblog.com

وصية صاحب القنديل Empty
مُساهمةموضوع: وصية صاحب القنديل   وصية صاحب القنديل Emptyالخميس ديسمبر 02, 2010 9:10 am

مقدمة
وفاء بلا حدود...
في زمن عز فيه الوفاء حتى كاد يندثر يأتينا هذا الكتاب المعجونة سطوره بمعاني الوفاء والعرفان بالجميل.. فيزيد من إيماننا بقيمة هذه الفضيلة، ويحيي في نفوسنا الأمل في انتصار المثل العليا، وانهزام الجمود ونكران الجميل، وبقية الرذائل التي تشوه الحياة...
وللوفاء في هذا الكتاب عدة أشكال.. وفاء يحيي حقي لأصدقائه المقربين واعترافه بأفضالهم عليه، وهو في حقيقة الأمر المتفضل عليهم بصداقته الكريمة وعواطفه الصادقة الجياشة، بل صاحب الأفضال العظيمة عليهم جميعا، وعلى قراء العربية في مصر والوطن العربي كله.. وعلى الثقافة الإنسانية بشكل عام. بإضافاته ذات الشأن التي خلفها للأجيال من عاشقي الجمال، وأنصار الفضيلة والمثل العليا..
إذا كان يحيي حقي قد قدم المثال على صدق وفائه لأصدقائه المقربين، بذكرهم والإشادة بأفضالهم عليه، فلم يكن غريبا بعد ذلك أن يبادله هؤلاء الأصدقاء وفاء بوفاء، فيشيدون بأفضاله عليهم ويذكرونه بكل خير، ويتناوله كل منهم من زاويته الخاصة التي عرفه منها، لتكتمل من اجتماع أحاديثهم، صورة أخاذة ليحيي حقي الإنسان الكريم المترفع عن الدنايا، هو نفسه ـ وبفضل هذه السجايا ـ الذي استطاع أن يثري أدبنا وثقافتنا بذلك العطاء الخصيب الساحر..
ويبقى ذلك الوفاء الذي تحلى به مؤلف الكتاب الأستاذ (صلاح معاطي) حين أخذ على عاتقه تسجيل وصية يحيي حقي ونقلها بكل دقة وأمانة، ثم ذلك الجهد الشاق الذي بذله في حمل هذه الوصية إلى أصدقاء يحيي حقي، وتسجيل انطباعاتهم وذكرياتهم عن يحيي حقي بنفس الدقة والأمانة.. فجسد بذلك معنى الوفاء مثلث الأطراف.. انطلاقا من يحيي حقي، فأصدقائه، فالمؤلف المسجل الأمين لمظاهر ذلك الوفاء..
وفي الكتاب معان أخرى عديدة، بالإضافة لمعنى الوفاء، من أبرزها تواصل الأجيال، الذي كان يحيي حقي حريصا عليه، ويتضح في تبنيه للمؤلف، وائتمانه على وصيته الخاصة بأصدقائه، وفي العديد من النصائح التي خصه بها، في مختلف مجالات الحياة والفن، وطلب منه تسجيلها، ليعم نفعها أكبر عدد ممكن من شداة الأدب..
ستحس بعد قراءتك لهذا الكتاب الصغير أنك أكثر معرفة بالرائد يحيي حقي، خلقا وفنا، وأريد أن أبالغ فأقول إن معرفتك به ستظل ناقصة حتى تقرأ هذا الكتاب، وإن كان هذا هو الواقع.
(مايو 1994)
فؤاد دواره




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://salah-maaty59.ahlamontada.com
صلاح معاطي
Admin



عدد المساهمات : 106
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 21/08/2009
العمر : 65
الموقع : http://salahmaaty.maktoobblog.com

وصية صاحب القنديل Empty
مُساهمةموضوع: مشاركة الكاتب التونسي الكبير الهادي ثابت   وصية صاحب القنديل Emptyالخميس ديسمبر 02, 2010 1:10 pm

شكرا العزيز صلاح على ما تقوم به من أجل رجل عظيم أعطى للأدب العربي الكثير، وأنار السبيل لكثير من الكتاب. فهو من الأوائل الذين أدركوا أنّه من واجب الكاتب العربي أن يطور لغته حتى تتماشى مع العصر، فكتب بلغة جميلة بسيطة في متناول كل القراء، وطرح مواضيع تمس مباشرة الحياة الاجتماعية الراهنة، مما سهل على كثير القراء الدخول إلى عالم الأدب، فاستمتعوا بتلك الأجواء التي عرف يحيى حقي كيف يجعلها حميمة لكل قارئ، بل بأسلوبه الراقي جعل الحياة الشعبية وغير الشعبية المصرية في متناول كل قراء العربية.
لن يموت يحيى حقي، سيظل في ذهن كل محبي الأدب منارة نضيؤ على الدوام.
الهادي ثابت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://salah-maaty59.ahlamontada.com
صلاح معاطي
Admin



عدد المساهمات : 106
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 21/08/2009
العمر : 65
الموقع : http://salahmaaty.maktoobblog.com

وصية صاحب القنديل Empty
مُساهمةموضوع: الوصية   وصية صاحب القنديل Emptyالخميس ديسمبر 02, 2010 4:37 pm

الوصية
ضغطت على جرس الباب وانتظرت قليلا حتى أتاني صوته الرقيق العذب الذي يحمل حنانا ووداعة: (مين..؟ صلاح..؟).
أجبته من الخارج بأنني جئت حسب الموعد. فتح الباب لألتقي بابتسامته العذبة ووجهه البشوش وهو يقول مرحبا: مساء الفل عليك..
ثم شد على يدي وهو يردد كلماته المضيافة الكريمة:
- إزاي الصحة.. سلامات..
قلت له وهو يقودني إلى حجرة مكتبه:
- والله يا أستاذ حيي حضرتك واحشني جدا.. كنت على بالي دايما طوال السنتين اللي فاتوا..
رد قائلا وهو يسير متجها إلى الأمام يتحسس طريقه بعصاته:
- والله العظيم يا صلاح أنا عايش بفضل أصدقائي. ربنا أكرمني بأصدقاء عديدين أعزاء علي وأحب قبل أن أموت أن أسجلها بمناسبة زيارة الأستاذ صلاح لي وهو أيضا سيأتي ذكره بين هؤلاء الأصدقاء. وأرجو منك أن تعتبر هذا الحديث وصية، فلا تذع ولا تنشر منه شيئا إلا بعد وفاتي.
جلس وانشغل بإشعال سيجارة وبعد أن سحب منها نفسا عميقا بدأ حديثه:
أريد أن أقول لكم أن المولى سبحانه وتعالى أنعم علي بنعم لا حد لها، وحين أقرأ القرآن أقف عند الآية الكريمة (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)..
ومن أكبر النعم التي أنعم الله بها علي ولا أدري كيف أشكره عليها نعمة الصداقة ولقد ذقت هذه النعمة منذ صغري. منذ كنت في المدرسة الابتدائية والثانوية فإذا بها تلاحقني في أواخر العمر...
وفي أواخر عمري عرفت أصدقاء من أعز الناس لي ولا يمكن أن استغنى عنهم، ويجب أن أذكر أسماء كثيرة ولكن أعفوني.. مش حيزعلوا مني لأنني أعرف أني صديقهم، وأن العيب هو عيب الذاكرة.
سكت قليلا ثم أطلق بصره بعيدا لكي يتذكر وأردف قائلا:
حقيقة الذي لا يحب هو رجل لم تكتمل إنسانيته فالحب بين الرجل والمرأة حب قلب وجسد. ولكن الصداقة ليس فيها هذا الشعور العنيف، والضغط والأخذ والرد والصلح والخصام.. بل طريق ممهد، كأنك ماشي في حديقة. هذه هي قيمة (الصداقة)..
أضع طبعا خير الصدقات في المقدمة، وهي التي ترجع إلى الصبا، أيام الطفولة، صداقات المدرسة. فقد نعمت وأنا في المدرسة الابتدائية بصداقات حميمة. منهم من مات، ومنهم من فرق الزمن بيننا..
وأنا أضعهم في الترتيب التالي:






الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://salah-maaty59.ahlamontada.com
صلاح معاطي
Admin



عدد المساهمات : 106
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 21/08/2009
العمر : 65
الموقع : http://salahmaaty.maktoobblog.com

وصية صاحب القنديل Empty
مُساهمةموضوع: ويبقى عطر الأحباب   وصية صاحب القنديل Emptyالخميس ديسمبر 02, 2010 4:39 pm

ويبقى عطر الأحباب

آه، يا جدنا الحبيب...
مازلت أجسدك أمامي وأنت تدفع قامتك للأمام في تواضع جم.. تضع إحدى قدميك أسفلك.. ترتدي الروب (دي شامبر) البني البسيط.. أسفله فانلة صوف برقبة.. وعلى وجهك ابتسامة رضا وقنوع رقيقة عذبة تمنحنا إياها دائما فنشعر بالأمن والسكينة كعهدنا بك، ترقب عيناك الضيقتان رحلة الأيام والسنين. يسترجع عقلك الحاضر شريط الذكريات تختلج فيك كل عضلة، ويهتز مع كلامك كل عصب من أعصابك .. فتتحدث مع شفتيك عيناك وإيماءاتك ووجهك وأصابعك وقدماك، حتى عصاتك وسيجارتك...
هل تذكر يا سيدي لقاءنا الأول.. كان ذلك في فبراير عام 1980.. كنت قد أرسلت إليك خطابا أوضحت لك فيه رغبتي في أن أقابلك لكي أعرض عليك بعض قصصي القصيرة، وبعد أيام وصلتني رسالتك الرقيقة التي لم تخل من الدعابة ومعها رسالتي بعد أن وضعت خطوطا تحت بعض الكلمات بها مصوبا إياها.. وطلبت مني مراجعة بعض قواعد اللغة العربية...
وقلت لي جملة مازلت أحفظها عن ظهر قلب.. هل تذكرها؟
لقد قلت لي:
(سأعتمد على ابتسامتك وأنت تقرأ رسالتي هذه)..
وكانت الابتسامة هي وسيلة الاتصال الأولى بيننا.. فقد كنت أبتسم بالفعل حتى قبل أن أصل إلى هذه الجملة..
وفي ظهر الرسالة رسمت لي وصفا دقيقا لبيتك بمصر الجديدة، سواء من ناحية المحكمة، أو من ناحية شارع العروبة، أو من ناحية محطة صلاح الدين.
في الحقيقة لم أنم ليلتها.. خرجت من بيتي في الفجر، وبعد أن أديت الصلاة بمسجد مجاور لمنزلي جلست في ركن أكمل قراءة كتابك (خليها على الله).
ومع الخيوط الأولى من الصباح كنت أتخذ طريقي إلى بيتك مسترشدا بخريطتك وكان السؤال الذي يلح على طول الطريق:
(ترى.. هل سيستمع لي؟ هل سيقرأ؟ هل سيعجبه ما أكتب؟ هل سيردني بكلمات طالما سمعتها من كثيرين حتى قبل أن يقرءوا لي.. (اقرأ كثيرا يا بني ما زال الطريق أمامك طويلا. لا تتعجل!).
أخيرا وصلت.. ورحت أحرك أصابع قدمي الباردة داخل الحذاء وقد احتواها برد الشتاء. فأحسست أنها قد تحولت إلى أصابع من الثلج..
صعدت درجات البيت بعد أن أشار لي البواب بأنك تسكن الشقة رقم 5 .. ووقفت برهة أمام الباب وبحذر شديد ضغطت على الجرس، وكتمت أنفاسي وانتظرت حتى أتاني صوتك من الداخل:
(مين.. صلاح؟) وكأنني صديق قديم.. ألفتت قدماه بيتك..
شعرت بالطمأنينة تدخل قلبي خاصة عندما فتحت الباب لتطالعني ابتسامتك الودود المرحبة ونسيت كل الكلمات التي أخذت أحفظها طوال هذه الليلة والليالي السابقة لها فقد شعرت أني أمام شخص أعرفه منذ زمن بعيد.. ربما من قبل أن أولد.. رحت تحدثني في أمور كثيرة لم يحدثني بها أحد من قبل.. عن الأدب.. والشعر الجاهلي.. والمقامات والمعلقات، فالقصة القصيرة، واللغة العربية وجمالها.. وحسن اختيار الألفاظ.
تحدثنا عن الجاحظ والمويلحي وحديث عيسى بن هشام. طلبت مني أن أقرأ عليك إحدى قصصي.. وبعد أن قرأتها رحت أستمع إلى ملاحظاتك وبلغ تشجيعك لي وكرمك الزائد أنك طلبت مني إرسالها إلى الشاعر فاروق جويدة لنشرها في جريدة (الأهرام)..
وكانت هذه هي القصة الأولى التي نشرت لي..
وتعجبت .. يا لهذا الرجل .. (لا يزيد طوله عن المتر إلا بلكمية ) ـ على حد قوله.. ولكنه عملاق حين تلتقي به وتستمع إليه تشعر كأنك تنصت إلى (أنشودة للبساطة) إلى لحن شجي عذب.. بالغ الرقة. مغرق في التواضع والحنان.
أحيانا كنت أشعر أنني أمام رجل آت من عصر بائد، متشبع بقيم ذلك العصر وأخلاقه ومبادئه.. وأنه الخلاصة الباقية من فكر ذلك العصر الوردي..
لقد أحببت يحيي حقي أحببته حقاا (حبا من أول نظرة) كما يقولون، منذ أول لقاء بيننا.. بل من أول مكالمة تليفونية سمعت فيها صوته الوديع الهادئ الذي يحمل داخله صدقا ومودة نادرة.. بل أحببت يحيي حقي منذ أول رسالة بعثتها إليه.. ولن أكون مبالغا لو زدت وقلت منذ أول كتاب قرأته له وكان (قنديل أم هاشم)..
واكتشفت بعد ذلك أنني لست الوحيد الذي وقع في حب يحيي حقي.. فقد سبقني إليه المئات والمئات عبر تسعة عقود عاشها هذا الرجل..
فيحيي حقي يحسن استقبال ضيوفه ومريديه.. يفتح لهم الباب على مصراعيه، يستقبلهم بابتسامة وديعة مطمئنة، يكرمهم فيجود عليهم بما لديه من خير ويحدثهم بمودة ومرح. وفي ثوان معدودة يدخل قلبك ويصبح صديقا يحتل مكانة عالية في حياتك وهكذا كان يحيي حقي في كتاباته.. فمنذ السطر الأول.. بل من الكلمة الأولى تنشأ علاقة وطيدة بينه وبين قارئة..
وليس غريبا على رجل كيحيي حقي أن تكون له هذه المنزلة الكريمة في قلوب الناس، يستوي في ذلك أهل الأدب والبسطاء والكادحون ممن لا صلة لهم بالأدب.
فيحيي حقي المولود بدرب الميضة بالسيدة زينب. والذي تربى بين هؤلاء البسطاء والكادحين والأرزقية. المتجول في أنحاء الحي وعلى أعتاب المقام.. المتأمل لوجوه الناس الآتية والذاهبة يتلمسون الخير والبركة.. المتابع لأدعية زوار البيت وتمتماتهم وخزعبلاتهم وأحاجيهم ومعتقداتهم الموروثة.. هذا يقصد البيت ليبتغي حجابا يحفظه من عيون الناس.. وهذه تأتي إلى المقام لتتلمس طريق ابنها الغائب، والأخرى تأتي لتعمل عملا لا ينفك أثره لكي يعود بالوبال على زوجها الذي تزوج عليها وجلب إلى الدار ضرة لتنكد عيشتها.. وهكذا..
لقد تأثر يحيي حقي بهذا الجو الذي ارتبطت فيه الأسطورة بالموروث الشعبي ونشأ مشبعا بأريج المكان وعبقه وصار في حياته مدفوعا بهذا العطر الذي جمع من حوله الأحباب..
ومن السيدة زينب بدروبها وأزقتها وحاراتها انطلق يحيي حقي إلى أقصى الصعيد بقراه البعيدة وأهله الفقراء يتجول في الطرقات فيرى وجوه الكادحين القانعين برحلة الحياة.. تلك الوجوه التي لا تفارقها الابتسامة بالرغم من شظف العيش.. فيعيش يحيي حقي بين الفلاحين فيأكل سريسهم ويشرب شايهم.. يشاهد بعينيه الفقر وهو يتعانق مع الجهل والتخلف.. ويستمع إلى أغانيهم ويستعذب ألحانهم ويتألم لألمهم ويتعرف على معتقداتهم وأفكارهم.. لتتغلغل إلى نفسه موروثات وأساطير جديدة يصارعها بفكره وعقله وثقافته ..
ويرتحل يحيي حقي من خلال عمله الدبلوماسي إلى بلاد أخرى أكثر تقدما ورقيا ومدنية.. باريس وروما واستامبول.. فيتجول في المعارض والمسارح، ودور السينما والأوبرا، ويلتقي بالموسيقى الصاخبة، والفنانين التشكيليين في الميادين العامة يعرضون لوحاتهم وتماثيلهم.
لم يصدم يحيي حقي فطبيعة الحياة جعلته يتأمل فقط.. يختزن ويقارن.. فالصراع داخله لم يكن صراعا بين فقر وغنى ولا بين تقدم وجهل.. ولا بين علم و إيمان.
لم يتأثر برهبة التقدم و المعمار ولم يهزه بريق المدنية الحديثة فالصراع الأزلي الذي كان يشغله هو صراع الإنسان مع غرائزه ورغباته المكبوتة ومغريات الحياة.. فماذا يفعل هذا الصعيدي الفقير البسيط الذي يسعى من أجل سد رمقه لو وجد نفسه وسط باريس وشاهد بعينيه العمارات الفارهة السامقة.. والأضواء المبهرة المنبعثة من المحلات.. والنساء العاريات وصرخاتهن المثيرة.. وصراع الإنسان مع غرائزه صراع أبدى ودائم.. إنه صراع الحياة اليومية .. هذا الصراع سوف يكشف لنا أشياء كثيرة لو تأملناه..
كان دائما يقول لي:
عندما تكتب عن الحياة.. فلا تصور الحياة كما هي بالضبط، فأنت لست مصورا للحياة.. وإنما قل كأن الحياة هكذا.. وضع مئة خط تحت كلمة كأن هذه..
هكذا علمني يحيي حقي..
ووجدت نفسي أترنم معه (أنشودة البساطة) لأكون شذى في (عطر الأحباب) وألج إليه (من باب العشم) لأتصفح معه (صفات من تاريخ مصر)
أذكر أنني جلست أمامه مرة أقرأ عليه إحدى قصصي وكانت رواية السلمانية وتوقفت أمام كلمة (عاصفة هوجاء) التي كنت أصف بها بعض الصبية يندفعون... وراح يبحث عن معنى أدق. فقد رأى أن كلمة (عاصفة هوجاء) كبيرة للغاية ولا تؤدي المعنى الصحيح واللائق وهو لا يحب المبالغة.. وأبى أن أكمل قراءتي إلا بعد أن نبحث عن الكلمة البديلة حتى نجدها .. وطلب مني أن ألجأ إلى المعاجم لكي آتي له بالكلمة التي تعبر عن المعنى بالضبط..
علمني يحيى حقي ألا أكتب بفمي وإنما بقلمي وكان يقول لي:
" عندما تكتب يا صلاح.. ضع يديك فوق فمك هكذا".. ثم يضغط على فمه بقوة مؤكدا..
سألته ذات يوم أثناء حديث بيني وبينه بالتليفون عن كلمة (شيء) هل الهمزة توضع على الياء أم على السطر.. وفوجئت بيحيي حقي يقول لي:
- لا أعرف .. ابحث عنها وإذا عرفت أخبرني..
واندهشت.. كيف هذا .. يحيي حقي رائد القصة القصيرة والخبير باللغة العربية وأسرارها لا يعرف إجابة هذا السؤال البسيط الذي من السهل معرفته حتى دون اللجوء إلى المعاجم.
ونسيت الموضوع.. نسيت حتى أن أبحث عن همزة هذه الكلمة.. وبعد شهر أو أكثر ذهبت لزيارته.. ففوجئت به يسألني عن همزة الشيء مستفسرا عما إذا كنت قد بحثت عنها أم لا فقلت له بخجل:
- آسف جدا يا أستاذ يحيي ... بصراحة نسيت..
ولمت نفسي أشد اللوم.. فإذا به يبتسم في رفق وهو يقول بصوته الحنون: معلش معلش.. أحضر هذا المعجم الذي فوق المكتب.
فأحضرت المعجم الوسيط الذي قام بإعداده (مجمع اللغة العربية) وراح يحيي حقي يطلب مني أن أبحث في حرف الشين تحت الياء عن كلمة شيء، وعندما وصلت إليها قال لي وهو يضحك:
- عرفت الآن أن همزة شيء على السطر ثم أضاف قائلا:
- وخد بالك .. كل كلمة تنتهي بياء تنطق همزتها بعدها توضع هذه الهمزة على السطر مثل كلمة فيء بمعنى الظل .
لقد وعيت الدرس تماما فالرجل العظيم يريد أن يقول لي: ابحث عن الكلمة بنفسك واجر وراءها واتعب من أجلها حتى لا تنساها..
ذات يوم ذهبت إليه حسب موعد بيننا فوجدته يعطيني أربع ورقات (مصورة) وطلب مني قراءتها جيدا لمناقشتها معه في الزيارة المقبلة. فإذا بالورقات الأربع رسائل متبالة بين الكاتب الفرنسي (أندريه جيد) وبين عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين..
كانت الرسالة الأولى من أندريه جيد إلى طه حسين وفيها يبدو واضحا مدى التعالى الذي يظهر في رسالته عندما علم أن طه حسين يقوم بترجمة أحد كتبه وهو كتاب (الباب الضيق) إلى العربية.. وقد اندهش اندريه جيد من أننا نحن العرب المسلمين الذين كونهم القرآن وأدبهم على عقائد معينة لا يعنيهم الاهتمام بالمعرفة والبحث في الآداب الأخرى وأن هذا القرآن هو الذي جعل تعليمهم محدودا وأن كتبه لا تشغل نفوسهم، وقد رد طه حسين على أندريه جيد بدبلوماسية شديدة مدافعا عن الإسلام والمسلمين مبينا له أن الإسلام لا يغرى بالدعة والخمول وإنما يحث على التفكير والتأمل ويدعو إلى التدبر والاستبصار .. فكان يحيي حقي مثالا للمعلم الحريص على تلاميذه..
إلى هذا الحد كان يحيي حقي كريما لا يضن بمساعدة ولا يبخل بمعونة.. فهو مستمع جيد حتى في أوقات مرضه.. وكان كثيرا ما يطلب مني أن أعيد عليه ما قرأته أكثر من مرة .. ويتركني لحظات لكي يفكر ويقدح زناد فكره في معنى أفضل وفي أسلوب أدق..
ذات مرة زرته فوجدته مهموما متكدر النفس فسألته " ماذا بك يا أستاذ " فقال لي : هل تعلم يا صلاح أن لدينا آلاف المخطوطات موجودة الآن في استانبول منذ أيام الدولة العثمانية، إنني أطالبك بالعمل على استعادة هذه المخطوطات مرة أخرى
وخفق قلبي، من أكون حتى يحملني يحيى حقي هذه التبعة الثقيلة، فأنا لست صلاح الدين وإن كنت أحمل منه الاسم فقط .
كنت سعيدًا أيما سعادة بصداقتي به وبصحبتي له.. واعتبر نفسي محظوظا لأنني عشت بضع سنين مع (عطر الأحباب) يحيي حقي.. فإن كان يحيي حقي قد رحل. فعطره مازال بيننا تتنسم عبيره الأجيال..
ومنذ رحل عن دنيانا لم أشعر قط بأنه فارق الدنيا فصوته ما زال يتردد حولي يرن في أذني.. وأحس أننا دائما على موعد..
وقد حدث أكثر من مرة بعد وفاته أني كدت أرفع سماعة الهاتف لكي أطلبه مستفسرا عن معنى لكلمة ما.. أو لأخذ رأيه في بعض فقرات في هذا الكتاب أو لأحدد معه لقاء، ولكنني أتراجع في اللحظة المناسبة فهذا دليل قوي على شفافية هذا الرجل ونقاء روحه..
فوفاء ليحيي حقي أقدم له هذا الكتاب الذي قمت بإعداده تنفيذا لوصية أوصاني بها قبل وفاته.. وهي ليست وصية مادية تتضمن ميراثا أو شيئا من هذا القبيل وإنما هي وصية أدبية حثنا فيها على التمسك بنعمة الصداقة.. وقد تحدث فيها عن أصدقاء أضاءوا حياته وأسعدوه إيما سعادة..
وقد التقيت بهؤلاء الأصدقاء حاورتهم وتحدثت معهم..
فوجدت أن كل واحد منهم أضاء جانبا في حياة يحيي حقي وفي شخصيته..
أما الذين رحلوا من هؤلاء الأصدقاء فاكتفيت بالحديث عنهم موضحا الصلة التي كانت تربطهم به ودورهم في حياته.. وقد أسعدني وشرفني يحيي حقي عندما ذكرني بين هؤلاء الأصدقاء ولأن حديثه معي كان نصيحة في فنية الكتابة باللغة العامية فقد وجدت أن أضعه في فصل خاص لأهميته بالنسبة للأدباء الشبان من جيلي.. وقد قمت باستضافة يحيي حقي في برنامج إذاعي (علمتني الحياة) حاورته في هذا البرنامج حول الحياة والمواقف التي مر بها في حياته والدروس المستفادة منها وأعماله الأدبية المتنوعة ورأيه في الفن عموما وغير ذلك من الموضوعات لذلك فقد وضعت هذا الحوار في فصل يحمل اسم البرنامج (علمتني الحياة)..
وفي فصل آخر تحدث يحيي حقي عن عبد الوهاب وكان حديثا شيقا ومفيدا للغاية.
وأخيرا فإني أرى أن هذا الكتاب الذي يضم آخر حوارات أجريت مع يحيي حقي وآخر أحاديث أدلى بها قبل وفاته مباشرة ليس لا لمحة سريعة من حياة يحيي حقي في عقده الأخير..
صلاح معاطي






الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://salah-maaty59.ahlamontada.com
صلاح معاطي
Admin



عدد المساهمات : 106
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 21/08/2009
العمر : 65
الموقع : http://salahmaaty.maktoobblog.com

وصية صاحب القنديل Empty
مُساهمةموضوع: الصديق الأول محمد عصمت   وصية صاحب القنديل Emptyالجمعة ديسمبر 03, 2010 3:50 pm

- المهندس محمد عصمت
هو مهندس زراعي تعرفت به ربما وأنا في المدرسة الثانوية.
سبب هيامي بالأستاذ عصمت أنني أعتبره الفنان الأصيل الذي اتصلت به. لا أقول لك قرأ كتبا ولا درس معارض، وإنما كان فنه نابعا من اتصاله بالطبيعة. وهذا ما أقوله دائما لكثير من الشبان.. لا أريد منك أن تقرأ فقط بل اتصل بالطبيعة..
وأذكر لك أن أحمد أمين قال كلمة أحب أن أنبه إليها الشبان: (حين أقرأ وصف حديقة بقلم كاتب بليغ قد أفهمها. لكن حين أزور الحديقة ذاتها بنفسي لا أتصور أنها جميلة بهذا الشكل.
فهناك رجل يستمد كل عواطفه وأحاسيسه من القراءة فقط، في حين أن الأستاذ عصمت أدرك الطبيعة.. أزهارها وأشجارها وحيوانها ونباتها.
اشتغل مهندسا للزراعة فأتاحت له وظيفته أن يجوب القطر المصري، يتأمل الحقول وأشجار المانجو والفاكهة.. ولكن الفن يريد أيضا درجة أخرى، فإذا به يهيم هياما شديدا بالصعيد .. وبالأغاني الشعبية الصعيدية.. وبجمال الصعيد .. بقوة الرجل الصعيدي بشهامته.. الخ.
بفضل عصمت وكلامه عن الأغاني الشعبية الصعيدية وضعت في مقدمة كتابي (دماء وطين) سجلا لهذه الأغاني وذكر لها. وأنا مدين بالفضل فيها إلى محمد عصمت.ز
من أسباب إعجابي به أنه هام أيضا بسيد درويش.. رجل غيره يكتفي بشراء اسطواناته ولكنه سأل: (كان يسجل عند من؟) (يقصد سيد درويش).. فقالوا له عند رجل اسمه (ميشيان).. فذهب إلى ميشيان واكتشف لنا سرا كنا لا نعلمه.. بعض الاسطوانات التي عليها اسم ميشيان مكتوب عليها (غناء سيد درويش) والحقيقة أنها غناء مطرب اسمه محمد بخيت لأن ميشيان لم يستطع أن يجعل سيد درويش يغني هذه الأغنية (فجاء) بـ (بخيت) يغنيها. ولكنه طبع اسم سيد درويش على الاسطوانة. طبعا غيره كان يكتفي بهذا، إنما سأل.. من هم أفراد التخت الذي كان يعزف معه؟.. وذهب إلى من يستطيع مقابلته ليساله:
هل لديك صورة توضح قدر سيد درويش يا من تحب سيد درويش؟..
ولكن عصمت قال من أحب سيد درويش لابد أن يكون لديه صورة له. فاستأجر عربة حنطور وأحضر معه مصوراتي أركبه معه.
في سيرة سيد درويش أنه كان يحب إمرأة اسمها جليلة.. من هي جليلة؟ لابد أن يتتبع أخبارها، فظل يتتبع أخبارها حتى أمكنه أن يحصل على صورة لها وأرسلها لي، فحينما رددت عليه كتبت له ملاحظة حول هذه السيدة، فإذا به يوبخني ويقول لي هذه السيدة الآن أم فاضلة لعدد من الرجال..
غيره يستطيع أن يكتفي بهذا، ولكنه كان في كل ذكرى لسيد درويش يبعث لإحدى الصحف كالأهرام بكلمة رقيقة يؤبن فيها سيد درويش .. ولا يذكر اسمه في هذه المقالات لأنه رجل متواضع ذو حياء شديد.
من حسن حظي وأثناء عملي في مجلة (المجلة) إذا به يقدم لي قصصا قصيرة.. لأول مرة أجد رجلا بعد سن الستين يكتب لي قصصا، فأعجبت بها إعجابا شديدا.. وربنا أكرمني انني استطعت أن أنشر منها قصتين أو ثلاثا..
أذكر أنه حين يكون له صديق فلا تنقطع الصداقة بوفاته.. بل تستمر صلته بأولاد هذا الرجل.. وأضرب لك مثلا شاهدته بعيني..
شاهدت بعيني أحد أصدقائه يدخل المستشفى فذهب إليه فوجد عنده أمه وخالته وعمته وابن اخته وابن خالته، ذهب ثاني يوم وجدهم، ثالث يوم وجدهم.. رابع يوم وجد الخالة اختفت، خامس يوم وجد العمة اختفت، وهكذا.. إلى أن جاء يوم لم يكن يزور هذا المريض إلا رجل واحد هو محمد عصمت.. إلى أن توفى هذا الصديق.. هذا في نظري من النوادر التي يدهش لها..
فخصني هذا الرجل بحبه.. لا يأتي إلى القاهرة إلا لزيارتي.. يسال عن ابتني ويسأل عن زوجتي ويتتبعني..
ومن سوء الحظ أن صحتي الآن لا تساعدني على السفر إليه لأنه مقيم في الاسكندرية وهو من عشاق البحر.. فهذا مثل أريد أن أضربه للشباب.. من هو الفنان؟.. الفنان ليس الذي يكتب..
الفنان هو الاستواء الروحي.. الإحساس بالطبيعة والإحساس بالوفاء والإحساس بالإنسان.. هذا هو محمد عصمت..
تكلمت عن عصمت.. (طبعا الواحد لما بيتكلم بينسى حاجات) .. فأنا لابد أن أعيد الكلام عن عصمت وأقول.. ودلالة على روحه الفنية وحبه للطبيعة وللجمال والتذوق في استخدام جميع حواسه الشخصية. نظره سمعه شمه ذوقه .. أنه وهو في أعماق الصعيد كل سنة مع الربيع.. أينما كان . لابد أن يركب القطار ويذهب إلى الصحراء الغربية أو الشرقية (ليه يا عصمت؟..) عشان أشوف النرجس البري وهو طالع لأول مرة).. مع أنه راجل موظف (معندهوش فلوس يصرف المصاريف دي كلها) .. ولكن تصور هذه المشقة التي يأخذها على نفسه أنه يذهب لا لشيء إلا أن يشم النرجس الطبيعي. .
فأنا لم أر من بين أصدقائي من له هذه الحاسة الجمالية التي عند عصمت..
****



























من هو محمد عصمت؟
لم أعثر له على عنوان، وكدت اكتفي بإشارة يحيي إليه. لولا الناقد الأستاذ فؤاد دوارة الذي حثني على البحث عنه ومعرفة مكانه. حتى التقيت بالصديق الصحفي إبراهيم عبد العزيز الذي أخبرني أن محمد عصمت يعيش في دار للمسنين بدمنهور.
بادرت بالاتصال بالسيدة أنصاف محمود مدير الدار والأستاذ أحمد عنتر أحد المسئولين عن الدار وقد رحبا كثيرا بالزيارة وبعد أن حددت موعدا معها ذهبت إلى هناك..
أخبرتني السيدة أنصاف أن محمد عصمت وصل إلى دار الوفاء للمسنين في عام 1991 ـ كان قبلها يقيم مع أسرة تتصل به بصلة قرابة من بعيد حتى سافرت الأسرة إلى السعودية فاضطروا إلى إحضاره لدار الوفاء للمسنين لرعايته والاعتناء به خاصة وأنه ليس له زوجة أو أبناء وليس هناك من يرعاه فهو لم يتزوج.. وعمره الآن 93 سنة. ولا يزوره الآن إلا سيدة عجوز تمت له بصلة قرابة من بعيد..
أخبرني الأستاذ أحمد عنتر أنه رجل مريح وهادئ الطباع، مرح، دائم الابتسام يحب الغناء، ودائما يدندن بأغنيات لسيد درويش ومحمد عبد الوهاب.. يعشق الطبيعة ـ الشمس والزهور والبحر..
وأنه موضع حب جميع من في الدار ولأنه أكبر النزلاء سنا يطلقون عليه (جدو)..
دخلت حجرته البسيطة المتواضعة لأجد هيكلا جاثما فوق الفراش، ألقت السنون بحملها فوقه.
كنت أشك أن هناك من يداني يحيي حقي في عمره فإذا بي أرى من يفوقه عمرا.. هزته قريبته (السيدة تحية البشبيشي) وهي التي ترعاه من وقت لآخر.. ففتح عينيه وعندما رآني جلس على الفراش وهو ينتزع من عمره ابتسامة مرحبة..
قبلته وأنا أجلس أمامه ثم قلت له أن صديقا قديما قد بعثني إليك.. راح يسأل في عفوية: من؟
قلت له: يحيى حقي .. هل تذكره؟
مصمص شفتيه وهو يحاول أن يتذكر وقال بصوت مرتعش:
- يحيى حقي كان صديقا عزيزا.. كنا نتقابل قديما لأن سكني كان قريبا من سكنه وكنت أحبه كثيرا.. (فهو إنسان كويس قوي) عشنا معا في السيدة زينب..
ولم أستطع أن أخرج منه بأكثر من ذلك فقد توارت الذاكرة خلف سحابة الزمن العاتية ولم يذكر لي إلا أسماء فقط يحيي حقي ـ سيد درويش ـ جليلة ـ النرجس ـ الصعيد الشيء الوحيد الذي يذكره جيد وراح. يدندن به وهو يصفق:
يابهية وخبريني يابوي على اللي جتل ياسين ليل يا عين على اللي جتل ياسين
جتلوه السودانية يا بوي من فوق ضهر الهجين
ليل يا عين من فوض ضهر الهجين
وبهية في المحاكم يا بوي شدت واحد وكيل
ليل ياعين شدت واحد وكيل
ما تحكم يا قاضي النيابة يا بوي قدامك مظاليم ليل يا عين قدامك مظاليم
عوج الطربوش على ناحية يا بوي وحكم بأربع سنين ليل يا عين وحكم بأربع سنين
سنتين في السجن العالي يا بوي واتنين في الزنازين ليل يا عين واتنين في الزنازين..
ثم ختم الأغنية بقوله : (يا بهية وخبريني على اللي جتل ياسين) وضحك.. بعد أن سلمت عليه وانصرفت من عنده سمعت صوته من الشباك الخارجي للدار وهو ما زال يدندن بالأغنية القديمة..
وأخبرتني السيدة تحية أنها تحتفظ له في بيتها بجزء من كتاباته ومذكراته بعد أن دمرت المياه والفئران والرطوبة معظم ما كتبه. فأسرعت معها إلى البيت وجلست قرابة الساعتين مع كتابات هذا الرجل الذي أطلعكم على بعضها الآن تاركا كتاباته الخاصة..
• أول ما أدهشني في مذكرات محمد عصمت بحثه في أصل عائلته فقد رسم خريطة مطولة تبين انحداره من أسرة يمنية الأصل..
فهو محمد عصمت المولود عام 1901 وأبوه عبد الحفيظ بن محمد بن عبد الصمد بن عيسى بن مكي بن علام بن مكي بن قتال من عرب حمير باليمن (لعلهم بني الأحمر الآن)..
• وقد أخذت هذه الأقوال التي كتبها في مذكراته عام 1929 عن الحياة..
- الحياة شيء عظيم في حد ذاته.
- الفنان كالطحلب إذا اختفى في مكان ظهر في مكان آخر.
- لا شيء يفنى بل يتحول
- يموت الفرد والحياة تواصل مسيرتها.
- الأرض تبلي الأجساد لنأكل ونشبع قبل أن تأكلنا الأرض.
- الزمان والمكان لا نعبأ بهما.
- يجب قبل أن نبحث عن الجمال أن نبحث عن الغذاء لأن العين لا تشعر باللذة إلا إذا كانت المعدة شبعانة.
• وعن الزهور وولعه بها كتب في مذكرات خاصة بالزهور:-
19/3/1928
زهرة النرجس الكاذب الذهبية بديعة رشيقة، ومما يزيد الأبصال حسنا أنها نظيفة لا تسقط أوراقها وأنها تحتمل الظل يجب أن أبحث عن الأبصال التي لها أزهار زرقاء أو بنفسجية..
- صدق من سمى فن البساتين علم الجمال الصامت..
- يجب ألا يغيب عن البال أن الإنسان لا يمكنه الاستغناء عن كل الأشياء.. فكما أنه مركب من عناصر عديدة كذلك يحتاج إلى أشياء عديدة.. يحتاج لبعض الموسيقى وبعض الرياضة وبعض الفواكه وبعض الأزهار.
- (البنسيه) أبدع خلق الله في الزهور. فإلى جانب (البنسيه) يجب أن يكون هناك تنوع من القرنفل والنرجس والباسنت.. الخ.
وفي الظل الخفيف البنفسج والنرجس يقطف منها للمسكن وهذا إذا سار الإنسان فيها لابد أن يرى هنا وهناك لونا جميلا أو يشم شذى بديعا..

15 أبريل سنة 1928:
مررت بفيلا قصر الدوبارة البديعة فرأيت أن السور الجانبي عليه تكعيبة رأسية من الخشب عليها الورد المتسلق قد ازدان بزهور الورد المختلفة الألوان غزيرة مكتظة بشكل لا مثيل له في الفخامة وقد فاح عطرها.

مساء 15 أبريل سنة 1928:
مررت ليلا بشارع الجزيرة وكان شذى شجرة الأكروكانتا ـ الفردوس المفقود ـ معبقا المكان. فرائحتها (ككل الأزهار البيضاء على ما أظن) تشتد في الماء فهي تزهر في مارس وورقها في الربيع بديع الخضرة فاتح وعديم الورق في الشتاء.
 ثم ينتقل إلى الحديث في مذكراته عن الموسيقى فيقول: الموسيقى لها صلة بالطقس، والوقت يزيد تأثيرها فيجب أن يراعى في النغمات الوقت الملائم ويظهر أن تأثيرها أشد في أوقات خاصة. فالنهاوند يحلو ويشجى في العصر صيفا كنداء باعة الترمس والذرة لأن المزاج يتعلق بالطقس والوقت.
 ويتحدث عن أم كلثوم فيقول:
أم كلثوم ـ كمنجة طبيعية ـ عصبية تهتز بالغناء ـ تشد أصابعها وتهز رأسها راقية الشعور تغني بإخلاص وجهد ـ كريمة الأخلاق حلوة الكلام ـ ظريفة النكت الخفيفة ـ لا تفرح بالهتاف الكاذب ـ نعمة من السماء وآية ـ تذبذب صوتها في الغناء يخلخل الهواء الخفيف الجميل ـ الهمس بعد العلو ـ الترجيع الطويل والآهات. تقاريظ السامعين والظرفاء (صوتك تمام كمنجة) (أسكت إزاي هو أنا حديد) (الله ـ تنتتهي بضحكة عصبية)، (يا حامي) (كتير من ده) (يا وعدي) وغنت (كم بعثنا مع النسيم سلاما) فقال لها بعضهم (وصل يا ستي) وسماها أحد المواظبين على حفلاتها (سمسم) و (ثومة).

صباح الجمعة 2 يناير سنة 1931:
- ماذا تفعل الموسيقى بالأعصاب؟
إن الإنسان لدى سماعه للموسيقى يتوجه شعوره وفكره إلى أكبر هم يشغله. يسمع الجماعة لحنا.. فالغريب يذكر وطنه ويشعر بالحنين إليه، والكهل يذكر شبابه ويشعر بالحنين إليه، والعاشق يذكر حبيبه ويشعر بالحنين إليه.
هل يا ترى هناك صلة بين أنغام الموسيقى السبع والسلم الموسيقى (ذي السبع طبقات) وهل هناك صلة بينها وألوان الطيف. وهل هناك صلة بينها والكواكب السبعة (حيث أيامها كانت الكواكب سبعة فقط قبل اكتشاف نبتون وبلوتو)؟ ألوان الطيف الأصلية السبعة هي التي يدركها الإنسان في العين البشرية.. والأصوات أيضا مؤلفة من طبقات تدركها الأذن البشرية.. وهناك فوقها وتحتها ألوان وأصوات لا يدركها السمع والبصر.
فإذا كانت هناك صلة بين النغمات والألوان فلابد من وضع قانون للتلحين طبقا للعواطف والمشاعر. والعلم كشف أن الأصوات والألوان من أصل واحد وأنها جميعا اهتزازات كهربائية يختلف عددها في الثانية.
- تقابلت يوم 30 يونية سنة 1931 في معهد التمثيل الرسمي مع لبيب أحمد حسن صديق سيد درويش لأتكلم معه عنه. فقال عن جليلة:
أنه (أي سيد درويش) هام بها وأنها كانت (سيئة السمعة) والآن اعتزلت وأصبحت من ذوات الأملاك. وقد رآها من مدة قريبة في حفلة لعبد الوهاب وهي لابسة السواد على سيد درويش أي بعد 8 سنين من موته. وأنها جميلة وتستحق الحب وأن سيدا سلمها نفسه وجعلها قيمة علية وأنه لم يقربها قط وفيها لحن دور (ياللي قوامك يعجبني) و (في شرع مين).
(في أعلى المذكرات كتب الأستاذ محمد عصمت ملاحظات يقول فيها: توفى أحمد حسن سنة 1957 أي سنة وفاة جليلة ـ ثم يضيف ـ وقد حجت جليلة مرارا وماتت ولها أحفاد محترمون).
ويضيف محمد عصمت في مذكراته عن صديقه الذي يحدثه عن سيد درويش:
أنه خرج ليلة مع سيد فلما وصلا إلى تياترو حديقة الأزبكية وجد رواية (هدى) من تلحين سيد درويش، ثم سارا إلى عماد الدين فوجد الريحاني يمثل (رن) من تحلينه، وعلى الكسار (راحت عليك) من تلحينه، ومنيرة (كلها يومين) من تلحينه، فذهبا إلى روض الفرج فوجدا بديعة تغني (ضيعت مستقبل حياتي).
فقال له سيد: (أنا مبسوط جدا لأن مصر سهرانة الليلة دي على سيد درويش ـ وتعرف جيب سيد فيه كام ـ 3 صاغ؟
وكان يرى في نفسه أنه بسيط ومحتاج للتبحر في الفن.
وقال إنه كان يضيع ثمن تلحين الرواية (200) جنيه في بضعة أيام ثم يفلس وأنه ذهب مرة عند ميشيان مع بديع خيري بعدد وافر من الطقاطيق مكتوبة وملحنة وقال سيد أنه يبيع الواحدة بخمسة عشر جنيها، فاعتذر ميشيان وبقيا يتجادلان على ستة جنيهات فأخذ سيد درويش منه المجموعة ومزقها أربا وخرج مع بديع مع أنهما كانا في حاجة شديدة للمال.
وقال إن سيد كانت له أحوال شاذة وأنه آخر ليلة ملأ الاسطوانات بشركة بيضافون بطلب دور أنا هويته ولم يكن قد لحن سوى نصفه فذهب ثاني يوم للشركة وملأه ـ والنصف تقريبا ارتجالي.
وأنه وضع لحنين لاستقبال سعد زغلول. ومات يوم وصوله من المنفى فأنشد النشيدان لسعد بينما كان صاحبهما يدفن، ولما أخبر بذلك سعد تأثر كثيرا.
وقد قال عباس العقاد لسعد مرة: (أن سيد درويش يا باشا زعيم مثلك) وكان العقاد يقدسه وإن أحسن سهراته هي التي اصطحب فيها معه الاسطوانات ليسمع فيها الشيخ سيد.. وكان سيد درويش شديد الإيمان بالله. ومع ذلك عاش بوهيميا ومات بوهيميا.

مساء يوم الجمعة 25/3/1935
اشتريت تواشيح حجاز كار محمود صبح وبعد الاتفاق قابلت عند ميشيان الشيخ محمود صبح يعزف قطعة له ويغنيها (الورد في الروض فاح)، وكانت الساعة 7.45 مساء رأيت فيه (آلة موسيقية) حية فهو يعيش في العالم بأذنيه وقلبه في عالم الأنغام يضرب العود ويغني ووجهه تتغير عليه الملامح ويمسك العود باستهتار.
قال له محمد عوض عواد منيرة المهدية (الأعور): سمعت يا أستاذ أنك غنيت (في شرع مين) الزنجران. فقال مقطبا: أنا لا أغني تلحين أحد سواي. وهذه النغمة اسمها شهير ناز وليس هناك نغمة اسمها زنجران.
وكان رأسه لا يمل التحريك شان الضرير.
وكان في كلامهم عن الأوبرا والأوبريت والكوميك وأنه لحن كيت وكيت يبدو شخصا به مس الفنان.
وتعارفنا وزرته فيما بعد مع لبيب وأهديته موشحا وموالا غناهما في الإذاعة.
يقول مشيان عن محمود صبح أنه حاد المزاج عصبي جدا كان يؤجل مرارا ملأ الاسطوانات ويحايل نفسه بالقهوة والنوم وغير ذلك حتى يجيء مزاجه.
وأنه حين يمسك العود فإن يده تجرى على الأوتار وتنتقل بحركة سريعة مدهشة.

نوفمبر سنة 1931:
رأى امبازوفيس الإغريقي:
- أن الأصل في الوجود العشق والانجذاب وأن الأخلاق يجب أن تبني على قاعدة الحب.
- كيف أستطيع وأنا أرى أيام العمر تفر فرارا وتمر سراعا وتسلمنا للموت وأرى المقادير لها اليد العليا على كل شيء. أن ابقى على مال أو احرص على حطام إنما نحن أبناء الصدقة والموت.
- عش هادئ الأعصاب رخيها ـ لا تتعصب لشيء.
- المرونة في كل شيء هي سبيل طول العمر وقوة التمييز ـ صحة الجسم في المرونة.

الأحد 28 أغسطس سنة 1932:
الحب في طبيعة المخلوقات ولكن يظهر أن الدنيا ليست بيئة صالحة لازدهاره وبقائه، فإنه يعيش لحد ما يؤدي للطبيعة غرضها، ثم سرعان ما يختنق ويذبل ويموت.
فإن لم يؤد غاية الطبيعة التي أوجدته وخلقته فإن صخور الحياة وجدبها وجفافها كفيلة بخنقه وقتله. فإن بقى بعد ذلك كان لوعة أبدية وإذا انتعش الحب يوما بخفق النسيم فلا يلبث أن تهب السموم فتلفحه بهجيرها.

أغسطس سنة 1932:
كتبت ليحيي:
الحب عاطفة أفرض فيها ما تشاء ولكنها شيء يرفع شعور الإنسان إلى أدق احساساته وأسعد حالاته وأعز أمانيه وأنبل صفاته.
والله ما أدري هل حبي العميق الذي أحيا به وهم باطل أم حقيقة رائعة وهل حالي داع إلى السخرية، والضحك أم إلى الشفقة والألم؟
لست أدري إلى أي حد هو وهم أو إلى أي حد هو حق.
وهل العشق فان أم خالد؟
فإذا كان فانيا فما أتفه الحياة، وإن كان خالدا فكيف يتعدد؟..
تلك أشياء أحار في فهمها ولا أدرك لها كنها على أني موقن بأن هذا الحب باق ما بقيت.







الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://salah-maaty59.ahlamontada.com
صلاح معاطي
Admin



عدد المساهمات : 106
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 21/08/2009
العمر : 65
الموقع : http://salahmaaty.maktoobblog.com

وصية صاحب القنديل Empty
مُساهمةموضوع: وصية صاحب القنديل - محمود محمد شاكر   وصية صاحب القنديل Emptyالثلاثاء ديسمبر 07, 2010 8:17 am

2- محمود محمد شاكر
الصديق الثاني الذي أذكر له فضله علي هو الأستاذ محمود شاكر (عضو مجمع اللغة العربية) ابن الشيخ محمد شاكر وكيل الأزهر، أخوه الشيخ أحمد شاكر الفقيه في علم الحديث والذي نشر أهم مراجع الحديث الموجودة بين أيدينا.. كنت لا أعرفه ولا قرأت له. لكن أنا كنت في أوروبا وعدت إلى مصر حوالي سنة 1939 أو سنة 1940 فكانت لوزارة الخارجية مكتبة في البدروم، ولحبي للكتب نزلت المكتبة وظللت أبحث عن كتب.. فلاحظني أمين هذه المكتبة.. شاب رقيق جدا متخرج من قسم الفلسفة اسمه عثمان عسل. عليه رحمة الله. ويجب أن أذكره أيضا في القائمة.. فلما رأى اهتمامي بالكتب قال لي أريد أن أعرفك بصديق يحبك.. أهلا وسهلا.. فأخذني من يدي وعرفني بشاكر في بيت شاكر.. فإذا هو يسكن في آخر بيت في نهاية مصر الجديدة .. وفي هذا البيت عرفت حقيقة معنى الصداقة والإخلاص والحب والوفاء .. بل تولى تعليمي.. هو الذي له الفضل الأول على أنني تزوجت اللغة العربية، وسمح لي أن استمع إليه وهو يلقي الشعر الجاهلي شعرا شعرا ونتبسط في المعاني .. فالحقيقة شاكر له أكبر الفضل في انه حولني من رجل تتعثر يده، لم يتعمق علمه باللغة.. يجوز أنك تتعلم اللغة بألفاظها ولكن ما سرها؟ ما عبقريتها؟.. هذه المسألة خطوة أخرى في تعلم اللغة العربية.. واعترف أنني كنت أساله.. أقرأ له النص الذي كتبته فكان يجري قلمه على بعض الكلمات ويختار لي كلمات أحسن ـ لم يكن يغير الأسلوب كله ـ إنما يبصرني بأن هناك كلمة أدق من كلمة ـ
في يوم أردت أن اقرأ عليه مقالة فقال لي ابعد عني لا أريد أن تريني شيئا بعد اليوم .. يريد أن يقول امض أنت في سبيلك فهذا هو أيضا خير تعليم لمن أراد أن يتعلم، لا يظل متعلقا بمعلمه بل يجب أن ينطلق بقلمه..
ومنذ سنة 1939 إلى الآن وهذه الصداقة متصلة، بل له فضل كبير علي..
وهو موجود حاليا.. كنت أكلمه.. لكني توقفت.. (مش عاوز أوريله نفسي وأنا تعبان)..
أريد أن أشهد لكم أنه الشخص الذي أراه الآن خبيرا باللغة العربية بصيرا بأسرارها مدافعا عن العربية مدافعا عن الإسلام بقوة لم أرها عند مسلمين آخرين.. فهو ليس مصدرا أدبيا فقط بل مصدرا روحيا لأصدقائه..



















حاولت الاتصال مرات عديدة بالأستاذ محمود شاكر فعرفت أولا أنه مسافر خارج مصر، وعندما علمت بعودته اتصلت به ثانية.. ولكنه اعتذر عن الحديث عن الأستاذ يحيي حقي بدعوى أنه مريض وأنه لا يريد أن يتحدث عن أصدقائه الذين يحبهم. لم أجد أمامي سوى الذهاب إلى مجمع اللغة العربية، فهو عضو هناك، ولحسن الحظ وجدت كتابا للدكتور مهدي علام بعنوان (المجمعيون في خمسين عاما) به تعريف بالأستاذ محمود شاكر يشتمل على جانب من حياته ونشاطه العلمي وإنتاجه الأدبي وأهم مؤلفاته ونشاطه المجمعي..
ويستعرض الدكتور مهدي علام في كتابه سيرة المحقق البحاثة الأستاذ محمود شاكر فيقول: (ولد الأستاذ محمود محمد شاكر بمدينة الاسكندرية في فبراير 1909 وانتقل إلى القاهرة في السنة نفسها بعد انتقال والده إليها وكيلا للجامع الأزهر وقد تلقى تعليمه الأول في مدرسة أم عباس بالقاهرة ثم مدرسة القربية. وفي سنة 1921 التحق بالمدرسة الخديوية الثانوية وحصل على شهادة البكالوريا سنة 1925، والتحق في السنة التالية بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ونشب الخلاف العلمي بينه وبين الدكتور طه حسين فترك الجامعة، وفي سنة 1928 سافر إلى السعودية وأنشأ مدرسة جدة السعودية الابتدائية وعمل مديرا لها ولكنه عاد إلى القاهرة سنة 1929.
وقد تتلمذ على يد الشيخ سيد المرصفي صاحب كتاب (رغبة الآمل) وقرأ عليه (الكامل) للمبرد وحماسة أبي تمام وجزاء من (الأمالي) للقالي، واتصل بالعلماء والسياسيين الذين كانت لوالده صلة بهم.
وكان ممن أسهم في إنشاء جمعية الشبان المسلمين، وابتعد عن العمل في وظائف حكومية لانشغاله بالبحث والدرس، وقد جعل بيته مكتبة ومنتدى يلتقي فيها الدارسون وطلاب العلم ومحققو التراث.
ونشاط الأستاذ محمود محمد شاكر نشاط علمي خالص، فقد خصص حياته للدرس والبحث والتحقيق، وملأت مقالاته كثيرا من الدوريات المصرية والعربية.
وقد بدأت المعركة الأدبية التي قامت بينه وبين الدكتور طه حسين حول المتنبي، ثم المعركة الثانية بينه وبين الدكتور لويس عوض حول أبي العلاء، وقد حصل على امتياز صدور مجلة (العصور) في سنة 1938 وصدر منها عددان وتوقفت عن الصدور.
وانتاج الأستاذ محمود محمد شاكر متنوع بين الإبداع والتأليف والتحقيق وله قصائد شعرية منشورة في الدوريات العربية، أما في مجال التأليف فله ما يربو على 250 مقالة موزعة بين الدوريات القديمة والحديثة، وإلى جانب هذه المقالات له كتابان مهمان ومعروفان عند الباحثين وهما (مع المتنبي) و (أباطيل وأسمار).. وفي مجال التحقيق له العديد من الكتب..
ويقول عنه الأديب الراحل يحيي حقي في سيرته الذاتية (أشجان عضو منتسب) التي افتتح بها كتابه (قنديل أم هاشم) في طبعته الجديدة بهيئة الكتاب:
(أثناء علمي بديوان وزارة الخارجية توثقت صلتي بالمحقق البحاثة الأستاذ محمود شاكر وقرأت معه عددا من أمهات كتب الأدب العربي القديم ودواوين شعره، ومنذ ذلك الحين وأنا شديد الاهتمام باللغة العربية وأسرارها، وفي اعتقادي أنها لغة عبقرية في قدرتها على الاختصار الشديد مع الإيحاء القوي..
***
وقد رأى الأستتاذ (فؤاد دوارة) ألا اكتفى بهذا التعريف عن محمود شاكر وانه يجب على أن ألتقي به ليتحدث عن يحيي حقي ونصحني بأن ألج إليه من بابين: أولهما السيدة عايدة الشريف وهي أديبة وكاتبة كتبت عدة أعمال عن الأستاذ محمود محمد شاكر وقد اتصلت بها وتحمست الأستاذة عايدة الشريف وبادرت مشكورة بالاتصال بالأستاذ محمود شاكر وطلبت منه الحديث عن يحيي حقي، بل أنها ذهبت إليه في بيته وحاولت معه ولكن دون جدوى.
أما الباب الثاني الذي نصحني الأستاذ فؤاد دوارة أن أطرقه فهو (فهر) ابن الأستاذ محمود شاكر وهو معيد بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة والتقيت به في الكلية وقد اقتنع الأستاذ (فهر) بالفكرة ووعدني أنه سيعرض الأمر على والده ولكن للأسف ذهبت محاولات (فهر) أدراج الرياح.
ولم استرح إلى عدم مشاركة الأستاذ محمود محمد شاكر في الحديث عن يحيي حقي وقررت أن أحاول ثانية فذهبت للقائه بالمجمع اللغوي مستعينا بالأستاذ إبراهيم الترزي أمين عام المجمع.. وانتظرت حتى خرج من جلسة المجمع معتمدا على عصاته. فعرضت عليه الأمر وقبل أن أكمل كلامي فوجئت به يقول بحدة أوقفت باقي الكلام في جوفي:
(يحيي حقي.. ما ليش علاقة به .. ما أعرفش عنه حاجة) وتركني وحدي في حجرة مكتب الأستاذ إبراهيم الترزي أضرب أخمسا في اسداس وعلمت أنه كتب مقالة رثاء ليحيي حقي في جريدة الأهرام بتاريخ 18/12/1992. فذهبت إلى دار الكتب وأخذت هذه المقالة التي تبين مدى عمق العلاقة التي كانت بين الرجلين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://salah-maaty59.ahlamontada.com
صلاح معاطي
Admin



عدد المساهمات : 106
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 21/08/2009
العمر : 65
الموقع : http://salahmaaty.maktoobblog.com

وصية صاحب القنديل Empty
مُساهمةموضوع: مقال تأبين محمود محمد شاكر ليحيى حقي   وصية صاحب القنديل Emptyالأربعاء ديسمبر 08, 2010 4:42 am

يحيي حقي صديق الحياة الذي افتقدته
بقلم الأستاذ/ محمود محمد شاكر
علاقتي بصديقي يحيي حقي ـ رحمه الله ـ بدأت مع بدايات الحرب العالمية الثانية. أو بالتحديد في أواخر عام 1939 لتمتد حتى يوم زيارته وهو على فراش الموت في غرفة الإنعاش.. قبل رحيله ببضعة أيام. لتستمر هذه العلاقة أكثر من ثلاثة وخمسين عاما استمرار حياتنا. فلا يقطعها إلا سفر له أو لي.. وقد بدأت هذه العلاقة بداية غير مألوفة بالنسبة لي على الأقل. إذ زارني السفير عثمان عسل، ودارت بيننا أحاديث أحسست خلالها بأن هناك ما يريد أن يقوله. وإذ هو بقائله. وخلاصته أن هناك صديقا عزيزا لديه ود التعرف بي. وهو على استعداد لزيارتي. هذا الصديق هو يحيي حقي. وينبهني عثمان عسل بأمر ربما فزعت له في حينه. وهو أن لا أشتد في المناقشة أو أغلظ في القول معه قائلا:
(أن يحيي حقي إنسان عذب الحديث رقيق الحاشية دمث الخلق.. فنان إلى أبعد الحدود فلا تشتد عليه).
وقد عجبت لهذا التقييم غير المتوقع .. فلا أنا مغلظ في القول لأحد يزورني، وليس ما أسمعه عن يحيي حقي ليستحق شدة الجدل أو المناقشة.
وجاء الاثنان يحيي حقي وعثمان عسل. وتحدثنا ساعات طوالا وتفرع بيننا الحديث إلى أكثر من اتجاه. حتى حان موعد انصرافهما. وخلال عبارات التوديع التقليدية. نظر إلى يحيي هذه النظرة الودود الحانية وقال برقة بالغة: (أتسمح لي أن أزورك مرة ثانية؟)
وعلى قدر ما راعتني منه هذه المودة وذلك اللطف. بقدر ما كانت دهشتي وعجبي لهذا الطلب الذي لم اتعوده. فوجدت نفسي أقول له مندفعا: (يا أخي البيت بيتك وانا أخوك. وزيارتك لي حق لك ودين علي. ثم أن أبغض الأشياء إلى النفس أو توضع الحدود والقيود بين البشر).
وفي اليوم التالي فوجئت بمكالمة من وزارة الخارجية.. ليكون المتحدث هو يحيي حقي حيث كان يعمل بها لتنتهي بطلب الزيارة وفي هذه اللحظة أيقنت أن يحيي هو صديق الحياة. الذي لا يمكن الابتعاد عنه إلا بالموت و (كل نفس ذائقة الموت).
واستمرت هذه العلاقة كما قلت ثلاثة وخمسين عاما وازدادت قوة مع الأيام إلى درجة أنه ترك بيت العائلة وأقام معي في بيتي عشر سنوات لا نفترق فيها قط ولم يقطعه إلا زواجه الأول من والدة كريمته (نهى) ليعود إلينا بعد وفاتها مواصلا هذه العلاقة مع أخوة كرام في مقدمتهم فتحي رضوان، وعلى محمود طه، ومحمود حسن إسماعيل، ومحمد لطفي جمعة وإبراهيم صبري ابن شيخ الإسلام مصطفى صبري المنفي في تركيا وعثمان عسل.
كانت علاقتي بيحيي حقي مزيجا من صلات العمل العلمي والأدبي، وخلافات في الرأي ووجهات النظر، مع تباين واضح في الأمزجة والطباع وتبادل لمحات الفكر، وجوانب المعرفة. والحق أنها كانت صحبة عظيمة خيل إلي بعدها أنني كنت أعرف يحيي حقي منذ عشرات السنين وذلك لدماثته وأدبه وصفاء نفسه.
كنا ننفق وقتا طيبا في قراءة الأدب العربي القديم شعره ونقده ونثره وتاريخه، وكان يحيي أكثر الموجودين التقاطا للتعبيرات والألفاظ واسرعهم حفظا للشعر. كنا نلحظ ذلك إلى درجة أننا فسرناه أنه يريد أن يحصل في ساعات وأيام ما لم يحصله في شهور وسنين. وكنت والرفاق نعجب لذلك. ويزداد عجبنا حيث نلحظ تنبهه إلى جمال العبارات العربية، واكتشافه المبكر لأسرار بلاغة العرب. وقدرته الفائقة على اختزان كل ما يعرف وتمثله فيما يكتب بأسلوب وعباراته بغير محاكاة أو تقليد. وإنما باقتدار وفن. براعة جعلته لا يقع فيما يقع فيه غيره من النقاد والأدباء. وهو ما أكسبه شخصية متميزة ومستقلة قائمة بذاتها. كامنة في نفسه لا تظهر إلا عند الكتابة أو الاحتكاك بالآخرين. وعلى امتياز يحيي حقي وتفوقه في المجالات التي اختارها لنفسه. كنت ألمح فيه شفافية من الصعب أن ألمحها في غيره. إلى درجة انه كان يستشعر أمورا يصدق فيها دائما. ولعله استشعر نهايته في الأيام الأخيرة قبل وفاته حيث أكد لي بأنه يعيش الأيام الأخيرة من حياته ولم يمض على ذلك إلا أيام دخل بعدها غرفة الإنعاش لأزوره وتنبهه كريمته قائلة: عمي محمود شاكر. فيرد عليها وقد ضعف بصره تماما. أنا لا أعرف أحدا بهذا الاسم. أعرف محمود محمد شاكر وكأن اختصار ابنته للاسم لم يقنعه. لقد كان يحيي حقي بالنسبة لي أخا وصديقا سرنا معا في زمن واحد، ومشينا في طريق واحدة، وكنا ننتهي إلى غاية واحدة ولم يختلف أحدنا عن الآخر. حتى فرق بيننا الموت وإنا لله وأنا إليه راجعون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://salah-maaty59.ahlamontada.com
 
وصية صاحب القنديل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» وصية صاحب القنديل
» تعليق على كتاب وصية صاحب القنديل كتبه محمد معاطي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع الكاتب صلاح معاطي :: الأدب :: دراسات أدبية-
انتقل الى: